فيلم عن حياة العلامة عبد الحميد بن باديس رحمه الله

شاهدت على القناة الجزائرية السادسة ليلة امس فيلما عن حياة العلامة عبد الحميد بن باديس من اخراج  المخرج السوري باسل الخطيب وبطولة الممثل الجزائري يوسف سحايري.

تناول الفيلم لمدة ساعتين  أبرز المحطات التي شهدتها حياة المفكر والمصلح الجزائري عبد الحميد بن باديس (1889-1940) في عهد الإستعمار الفرنسي ، فأردت أن  أنوه  لمثل هذه الأعمال التاريخية التي تفتقر لها الساحة الفنية الجزائرية ، فالجيل الصاعد  بأمس الحاجة إلى أعمال فنية  تجسد سيرة  علماء الجزائر وعظمائها لكي تبقى راسخة في الذاكرة ،  بشرط أن تكون كتابة النصوص سليمة خالية من المغالطات التاريخية  و الهفوات التي قد تنقص من قيمة العمل الفني ،  كما حدث لهذا الفيلم الذي أغفل كاتبه رابح ظريف عن جوانب  تاريخية مهمة في  حياة العلامة عبد الحميد بن باديس فهو لم يتعرض لأهم القضايا التاريخية التي عاشها إبن باديس مثل:  انتفاضة قسنطينة التي جرت سنة 1934م و التي لعب الإمام عبد الحميد بن باديس دورا هاما في تلك الأحداث إذ سجل فيها مواقف إنسانية شجاعة، وإستطاع أن يعقل الناس من جهة، ويساير الاستفزازات اليهود من جهة أخرى  ؛ وقد  أشرت في مقال سابق لتلك الحوادث. 

وقد كان الشيخ عبد الحميد بن باديس من أبرز الشخصيات التي تعرضت للإعتداء اليهودي بإيحاز من الإدارة الفرنسية والمعمرين وبموافقة الصهيونية العالمية  بسبب آراء  الإمام إتجاه القضية الفلسطينية التي كانت من أهم القضايا التي تناولها  في مقالاته مثل: مقال «فلسطين الشهيدة» التي ذكر فيها اليهود بالحياة الكريمة التي كانوا يعيشونها في ظل الإسلام والمسلمين خاصة يهود القدس منهم في الأراضي الفلسطينية، ومقال آخر بعنوان«شهداء فلسطين الدامية» والذي حث فيه المسلمين على الجهاد ضد الصهاينة في فلسطين، إلى جانب الاحتجاجات التي كان يقدمها كل مرة للحكومة الفرنسية التي استنكر فيها مشروع تقسيم فلسطين ووقف المجازر الصهيونية في حق الفلسطينيين

كل هذه المواقف والكتابات الجريئة جعلت من الإمام محط إهتمام أشخاص رءوا فيه تهديدا لمصالحهم فأرادوا التخلص  منه عدة مرات  ؛  وأهمها محاولة اغتيال التي تعرض لها في إحدى أحياء قسنطينة  ليلا و التي  باءت بالفشل،   وبعد تلك المحاولة اتخذ مجلس جمعية العلماء المسلمين إجراء من شأنه ضمان أمن الشيخ بتعيين  ثلاثة حراس يسهرون على حمايته ومن ضمن هؤلاء الحراس  المقربين الحاج العربي جلواط الذي رافق إبن باديس مدة من الزمن .

كثير من التفاصيل و الأحداث الهامة  في حياة الشيخ لم يتطرق لها  الكاتب وسلط الضوء على شخصيات لا جدوى من اقحامها في الفيلم  كدور الممثلة سهيلة معلم التي تقمصت دور فتاة فقيرة  قدم لها الشيخ إعانات مادية،  وأعتقد أن السيناريست   لم يوفق في  تقديم  تلك الشخصية التي تعطي  مثالا على  الصورة  الإنسانية التي تبين  علاقات الشيخ اليومية  بالناس فعلاقة الشيخ بالناس كانت أعمق بكثير لأنه كان  مصلحا ومربيا في آن واحد.

وفي إحدى لقطات الفيلم إشارة لمصالحة الشيخ مع إحدى شيوخ الطريقة العلوية  وجلوسه ضمن حلقات الذكر الصوفية مما يوحي أن ابن باديس لم يكن معاديا للزوايا،  مع أن علاقة  الشيخ بن باديس  بالزوايا الصوفية معروفة فهي  كانت  على صراع  دائم  و قد عمل  جادا على محاربتها وخاصة تلك التي كانت تنشر الجهل وتنفث سمومها داخل المجتمع القسنطيني والتي كان يسميها بالاستعمار الروحي فهو لم يحارب الأمية فقط بل حارب الجهل بكل أنواعه

هذه أهم النقاط التاريخية  التي غفل عنها الكاتب ولا أدري إن كان إغفالا متعمدا حتى لا يتعمق في تفاصيل قد تثيرة الجدل ! ،  أم نقص خبرة الكاتب  وعدم درايته الكافية  بالتاريخ؟  ولا أدري أيضا  لماذا  ركز بشكل ممل على حياة الشيخ الشخصية و العائلية التي  تصور الخلافات الدائمة بين  الشيخ وزوجته  مع أن هناك محطات وجوانب مشرقة من حياة ابن باديس الشخصية نأمل أن تجسد في أعمال أخرى مع تجاوز المغالطات و النقائص التي وجدت في هذا الفيلم و على أمل أن يكون من إخراج جزائري كذلك .

صورة  للشيخ عبد الحميد بن باديس من أرشيف الحاج العربي جلواط رحمهما الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر