مصطلح عيشة راجل
من بين المصطلحات الشعبية الشائعة في المجتمع الجزائري مصطلح عيشة راجل الذي يطلق على المرأة المسترجلة، ربما الكثير منا يردد هذه الجملة دون أي يعي مفهومها الذي له بعد تاريخي لابد من الوقوف عليه
فحقيقة هذه الصيغة يعود إلى زمن الدولة الفاطمية التي قامت بعد الفتح الإسلامي في بلاد المغرب عام 910 م، بزعامة عبيد الله المهدي الذي جاء من الشام لنشر المذهب الشيعي نتيجة للمضايقات التي لقيها الشيعة من قبل العباسيين ،وقد كان عبيد الله من أشد الغلاة على الصحابة الكرام فقد خصص في عهده أناس يمشون في الأسواق يسبون الصحابة رضوان الله عليهم وكانوا يعلقون رؤوس الحمير على أبواب الحوانيت ويكتبون عليها أسماء الصحابة ، وطال الشتم زوجات النبي وبالأخص السيدة عائشة رضي الله عنها التي شبهوها بالرجال لخروجها في معركة الجمل علما أنها خرجت لوضع حد لإنهاء الفتنة والمطالبة بالقصاص لقتلة عثمان رضي الله عنه
وقد وصل الجنون بالدولة الفاطمية لدرجة أنهم حرموا زرع و بيع القرع و الجرجير لأن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تحب أكلهما
وقد وصل الجنون بالدولة الفاطمية لدرجة أنهم حرموا زرع و بيع القرع و الجرجير لأن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تحب أكلهما
عاش أهل السنة في المغرب العربي ستا وثمانين سنة في اضطهاد الإحتلال العبيدي كرسوا فيها كل جهودهم لإماتة السنة و نشر البدع ومنع العلم، لكن الفقهاء كانوا لهم بالمرصاد طهروا الأراضي المغاربية من ذلك السيل الجارف الذي كاد أن يفتك بأصولها السنية الإسلامية ،وهكذا زالت الدولة الفاطمية تاركة بعض المأثورات الشفوية التي تحمل أفكار سيئة منها كلمة عيشة راجل وعيشة و باندو الخ، كان القصد من هذه العبارات إلصاق صفة الترجل بالسيدة عائشة رضي الله عنها لخروجها في الموقعة وسط الرجال، كما حرفوا الأحداث الحقيقية لموقعة الجمل التي لم تقصد السيدة عائشة ومن معها بخروجهم تفريقا بين المسلمين أو ادعاء الولاية لأحد كما يزعم مبغضو الصحابة من الرافضة، وإنما الغرض الذي كانوا يريدونه هو الإصلاح بين الناس ،ولهذا علينا تحري هذه الحقائق من مصادر موثوقة من كتب التاريخ الإسلامي حتى لا نقع في الإثم
فابن حجر رحمه الله في فتح الباري يقول: « أن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة»
و قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله في منهاج السنة: « فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين لا قاتلت ولا أمرت بقتال هكذا ذكر غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار »
تعود أحداث موقعة الجمل إلى 36 من الهجرة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ،اجتمع عدد من الصحابة منهم طلحة و الزبير رضي الله عنهما بمكة للاعتمار والتقيا هناك بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكان الخبر قد وصل إليها أن عثمان رضي الله عنه قتل فعزموا على الأخذ بثأر عثمان ، فخرجوا من مكة بمن تابعهم إلى البصرة من أرض العراق يريدون قتلة عثمان ،وكان علي كرم الله وجهه في المدينة فلما سمع بخبرهم قدم قاصدهم مع جمع كبير
وكان مقصد علي بهذا الخروج طلبا للإصلاح فالقتال لم يكن محبب له لاسيما مع إخوانه أصحاب الرسول، وهكذا كان مقصد عائشة و طلحة والزبير فهم لم يقصدوا قتاله كما تدعي بعض الطوائف ومن تأثر بهم ولو كانوا يريدون الخروج على علي رضي الله عنه لذهبوا إلى المدينة مباشرة وليس إلى البصرة
قال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : « وبلغ الخبر مقتل عثمان عائشة وهي حاجة ومعها طلحة و الزبير فخرجوا إلى البصرة يريدون الإصلاح بين الناس واجتماع الكلمة »
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري مبينا القصد الذي خرجت من أجله عائشة رضي الله عنها هي ومن معها بقوله:« و العذر في ذلك عن عائشة أنها كانت متاولة هي وطلحة و الزبير وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين،وكان رأي علي الإجتماع على الطاعة وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه»
قبل القتال حدثت مفاوضات أرسل علي المقداد بن الأسود و القعقاع بن عمرو ليتكلما مع طلحة و الزبير واتفق المقداد و القعقاع من جهة و طلحة و الزبير من جهة أخرى على عدم القتال وبين كل فريق وجهة نظره
فطلحة و الزبير يريان أنه لا يجوز ترك قتلة عثمان ،وعلي يرى أنه ليس من المصلحة تتبع قتلة عثمان الآن بل حتى تستتب الأمور فقتل قتلة عثمان متفق عليه و الإختلاف إنما هو في متى يكون ذلك
بعد الإتفاق نام الجيشان بخير ليلة وبات السبئية وهم قتلة عثمان بشر ليلة لأنه تم الاتفاق عليهم، وهذا ما ذكره المؤرخون أمثال الطبري وابن كثير وابن الأثير وابن حزم وغيرهم
عند ذلك أجمع السبئيون رأيهم على أن لا يتم هذا الإتفاق،وفي السحر و القوم نائمون هاجم مجموعة من السبئين جيش طلحة والزبير وقتلوا بعض أفراد الجيش وفروا ، فظن جيش طلحة أن جيش علي غدر بهم فناوشوا جيش علي في الصباح فظن جيش علي أن جيش طلحة و الزبير قد غدر فاستمرت المناوشات بين الفريقين حتى كانت الظهيرة فاشتعلت المعركة
و هكذا ظنت كل طائفة أن الأخرى بدئت بالقتال واختلط الأمر فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها ومقصدها مدافعة عن نفسها
ففي تاريخ الأمم و الملوك لابن جرير الطبري يقول: «كما قضى مضجعهم يقصد قتلة عثمان قول علي رضي الله عنه في خطبته ألا وأني راحل غدا فارتحلوا ألا ولا يرتحلن معي أحد أعان على قتل عثمان في شيء من أمور الناس»
لما قال علي كلمته اجتمع جماعة من رؤساء الفتنة كالاشتر النخعي وشريح بن اوفى وعبد الله بن سبا وسالم بن ثعلبة وعلياء بن الهيثم في ألفين وخمسمائة وليس فيهم صحابي واجتمعوا على رأي عبد الله بن سبأ اليهودي، أن يتسللوا ليلا ويحدثوا الفرقة في صفوف المسلمين
يذكر هذه الواقعة ابن جرير الطبري يقول :« خرجوا متسللين وعليهم ظلمة فخرج مضريهم إلى مضريهم وربيعهم إلى ربيعهم ويمانيهم إلى يمانيهم فوضعوا فيهم السلاح بغتة فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين أتوهم وبلغ طلحة و الزبير ما وقع من الإعتداء على أهل البصرة فقالا ما هذا قالوا طرقنا أهل الكوفة ليلا وفي نفس الوقت حسب خطة أولائك المفسدين ذهبت منهم فرقة أخرى في ظلمة الليل ففاجأت معسكر علي بوضع السيف فيهم وقد وضعت السبئية رجلا قريبا من علي يخبره بما يريدون فلما سمع علي الصوت عندما هجموا على معسكره قال ما هذا قال ذلك الرجل ما شعرنا إلا وقوم من أهل البصرة قد بيتونا »
وهكذا ثار كل فريق إلى سلاحه فقامت الحرب على قدم وساق وقتل خلالها الزبير غدرا على يد رجل يقال له ابن جرموز وقتل طلحة بسهم غير مقصود وقتل الكثير خاصة في الدفاع عن جمل عائشة لأنها كانت تمثل رمزا لهم فكانوا يستبسلون في الدفاع عنها، ولذلك بمجرد أن سقط الجمل هدأت المعركة وانتهت وانتصر جيش علي بن أبي طالب وإن كان الصحيح أنه لم ينتصر أحد ولكن خسر الإسلام وخسر المسلمون في تلك المعركة(١)
حزن علي حزنا كبيرا وجعل يقول لابنه الحسن :« يا بني ليت أباك مات منذ عشرين سنة »(٢)
ثم صلى رضي الله عنه على قتلى الفريقين ، و أرسل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها معززة مكرمة إلى المدينة
وقبل مغادرتها ودعت الناس وقالت: « يا بني لا يعتب بعضنا على بعض أنه و الله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة و احمائها»
ودعها علي وقال لها: « صدقت و الله ما كان بيني و بينها إلا ذاك و أنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة »وسار علي معها مودعا لها وهكذا ابتدأت وانتهت الحرب وقلوب الصحابة مؤتلفة متحابة في الله.
المصادر:
١- كتاب حقبة من التاريخ لعثمان بن محمد الخميس
٢- من كتاب البداية و النهاية لابن كثير
المصادر:
١- كتاب حقبة من التاريخ لعثمان بن محمد الخميس
٢- من كتاب البداية و النهاية لابن كثير
تعليقات
إرسال تعليق