الساباط

 #الساباط 


عرفت المدينة الإسلامية في تخطيطها المعماري بعنصر معماري فريد يدعى بالساباط  أو الصاباط والذي غالبا ما نراه في المدن الإسلامية القديمة كمصر و الشام وتونس والجزائر والمغرب وغيرها من بلدان العالم الإسلامي .

والساباط  بسيط في تخطيطه إذ هو عبارة عن سقيفة بين جدارين أو منزلين  بينهما ممر نافذ  يكون ارتفاعه مقبولا لمرور الأشخاص، والساباط كلمة فارسية معربة جاءت من اللفظة بلاس اباد ، ويُتسخدم هذا المصطلح الفارسي  للدلالة على الممر الذي قد سُقف ما  فوقه .

إن الاهتمام ببناء الساباطات  يرجع إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم،  وذلك ببناء سقيفة بني ساعدة ، وفي الفترة الأموية والعباسية  اهتم الخلفاء  ببناء الصوابط داخل قصورهم ومنه انتقل هذا التقليد إلى الأندلس  فقد وُجدت  أصبطة عديدة منها التي تربط مابين  قصر قرطبة ومسجدها ، وأخرى بين قصر الزهراء ومسجدها، وقد كانت تؤدي وظيفة الحماية للحكام  فقد بنوا هذه الساباطات التي تربط المسجد بالقصر لإحاطة أنفسهم بأسباب السلامة حتى لا يتعرضوا للإعتداءات من طرف العامة، كما كان لارتباط الجامع بالقصر علاقة التجاور بحيث يسهل التوجه و التنقل من القصر إلى الجامع وبذلك يتم تسهيل إتصال الجهات الإدارية للدولة بالعامة كالساباطات الموجودة بالمغرب الأقصى منها الساباط الموجود بمسجد الكتيبة في مراكش والذي يعرف بالصباط .


أما بتونس فيعرف  وقد اهتم الخلفاء الفاطميون ببناءها لأهميتها الأمنية فقد كانت مخصصة للأمن و المراقبة لحماية الأحياء من دخول الغرباء ومراقبة حركة الخارج كالساباط الموجود بقصر الخليفة الفاطمي بمدينة المهدية  التونسية .


 ومنه استمر تواجده  حتى الفترة العثمانية فقد أبدع العثمانيون في الساباطات واستحدثوا لأول مرة في تاريخ الساباط استخدام الكتابات التأسيسية المنقوشة على لوحات رخامية وتثبيتها في الحائط على مداخل الساباطات وهي ظاهرة تميز بها العصر العثماني  فلم تكن موجودة قبل ذلك، وقد بني العديد  منها بمدينة الجزائر و قسنطينة لربط الأحياء و الأزقة ببعضها البعض مما انعكس على ترابط و تجاور الأسر الجزائرية ضمن نسيج عمراني موحد   فقد حافظت  العائلة الجزائرية  على تماسكها  وبقائها مع بعضها  الشيئ الذي دفع  الكثير من الأسر الجزائرية إلى مد  فضاءات إضافية فوق الساباط للتوسع من جهة ولبقاء أفراد الأسرة الواحدة مع بعضها البعض من جهة ثانية،  وهذا ما أدى إلى تسمية أغلب الساباطات  بالمدينة القديمة في قسنطينة بأسماء سكان المنزل المجاور للساباط 

كساباط بن فلوس ، و ساباط بن جندارلي براهم ، و ساباط الخروفي،  وساباط دار بن عيسى  ، و ساباط بن البوشيبي،  وساباط دار بن الخيثمي ، وساباط بن الحملاوي .

وقد تنوعت وظائف الصاباطات فلم يكن فقط لربط الأحياء و الأزقة بل كان منها ما يحمل  قاعة لإجتماع الحاكم بالرعية للتشاور ومعالجة القضايا المختلفة  كساباط الخليفة الذي يقع بشارع دعرة قدور بحي باب الجابية وقد سمي نسبة لصاحب الساباط الذي كان بايا .

وساباط آخر  يسمى بشيخ العرب بالسويقة نسبة لعبد الله باي  حيث أن الساباط كان بدار هدا الباي،  وساباط آخر لباش اغا بحي الطابية. 


كما حملت بعض الساباطات بيوتا للصلاة معلقة


 وهذه الإضافة كانت  لتوسيع المسجد بعدما أصبح لا يستوعب عددا كافيا من المصليين كسباط "الكورة " المجاور لجامع سيدي لخضر .


  والملاحظ أن هذه الساباطات كانت تجاور المساجد وهذا مرتبط بالوازع الديني حيث يجتمع الناس بعد الصلاة في هذه الأماكن لمعالجة أمور دينهم ودنياهم، وهذه الكثافة للساباطات كانت تتناقص بالأحياء التي كانت تسكنها الطائفة اليهودية،  ففي  حومة السواري التي كان يسكنها اليهود  يوجد ساباطا واحدا ويسمى ساباط الدريبة .

بالإضافة إلى الدور المهم الذي كانت تؤديه هذه الساباطات  من الناحية الدينية و الإجتماعية فلها دور أيضا من الناحية المناخية  فقد كانت تحمي المارة من مختلف العوامل المناخية المتغيرة فهي  تقي من  حرارة الشمس وتوفر الظل وتلطف الجو،  ولهذا تتواجد في معظم الساباطات أسواقا ومحلات  كسباط سوق  العصر  الذي يوفر الظل للباعة و المتسوقين .٠

وبالرغم من توفر هذا الكم الهائل من الساباطات ضمن النسيج العمراني بالمدينة القديمة لقسنطينة غير أن   الإهمال قد طالها فبعضها تهدم واندثر و البعض الآخر لازال يقاوم عوادي الدهر.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر