الإمام البخاري رحمه الله

شاع في الآونة الأخيرة محاولات كثيرة للتشكيك في صحة أحاديث البخاري من قبل بعض الدعاة و الكتاب و الباحثين العرب، وهذا ليس بجديد فقد سبقهم في ذلك الكثيرين من أعداء الإسلام ومنكري الأحاديث فوجهوا سهامهم الناقدة للطعن و التشكيك، وأحيانا السخرية و الاستهزاء بالإمام البخاري رحمه الله ظنا منهم أنهم سيتمكنون من هدم صرح السنة إذا تمكنوا من رفع الثقة عن أبرز رمز من رموزها وهاهم اليوم يتطاولون على الإمام البخاري الذي عرف عنه تشدده و شروطه القاسية والتزام الصحة في جمع الأحاديث، وكتابه الجامع يعد أشهر واصح كتاب في السنة كما قال الإمام النووي ، فهو محل إتفاق بين عامة العلماء عبر القرون ، وقد عرض رحمه الله تأليفه الجامع الصحيح على كبار الأئمة في عصره أمثال الإمام أحمد بن حنبل و إبن معين و علي بن المديني فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في 4 أحاديث ، وبذلك أصبح من كبار المحدثين ، فلقب بأمير المؤمنين في الحديث ،وكان رحمه الله ممن درسوا على يد الإمام مالك في المدينة ، أما من تلاميذه الإمام مسلم صاحب الصحيح و الإمام النسائي صاحب السنن و الإمام الترميذي صاحب الجامع وغيرهم من كبار المحدثين و الفقهاء رحمة الله عليهم . فلماذا يا ترى من حين لآخر يقوم أحدهم ممن يدعي الإسلام بالتشكيك في الثوابت الإسلامية ويهاجم أبرز رموزها ؟ بدون أن يتعرض لأدنى معاقبة من قبل السلطات المعنية فالردع في مثل هذه المواقف له فوائد وقد استحضرني موقف تعرض له الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي كاد أن يؤدي بحياته بسبب زلاقة لسانه حول الإمام البخاري مع انه لم يتعمد ذلك، فقد كان عضوا في مجلس المبعوثان الذي يضم ممثلي الولايات التركية عن العراق في نهاية عهد الدولة العثمانية وفي احدى جلساته نوقشت ميزانية وزارة الحربية فكان من بين بنودها مبلغ ضخم يخصص لقراءة صحيح البخاري في سفن الأسطول للتبرك به فوقف الزهاوي معترضا وقال أنه يفهم أن يكون هذا المبلغ في ميزانية وزارة الأوقاف أما في ميزانية الحربية فأمر غير مفهوم لأن الأسطول يمشي بالبخار لا بالبخاري ورغم سلامة رأي الزهاوي إلا أن الجناس بين البخار و البخاري أعطى الانطباع بأنه يستهزئ بصحيح البخاري فثار عليه المجلس وشغبت عليه العامة وتعرض بسبب هذا الموقف لغضب الرأي العام في بلاده حتى لزم داره في بعض الفترات خوفا على حياته من الخطر، أو ليس الردع في مثل هذه المواقف مجد.