كتامة

شاهدت منذ مدة  مقطع  فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي لجماهير الرجاء البيضاوي المغربي وهم يرددون أغنية  بعنوان "في بلادي ظلموني" ، في إحدى مباريات الفريق، انتقادا منهم على أوضاع بلادهم، وما أل إليه شبابهم من ضياع لتعاطيهم حشيش منطقة كتامة ، فمن المؤسف أن نرى شباب الأمة الإسلامية في ضياع ولا احد يحرك ساكن ، ومن المؤسف أيضا أن يرتبط في الأذهان اسم كتامة اكبر القبائل الامازيغية وأشدها قوة وبأسا بالكيف
لقد شغلت كتامة منذ القديم  حيزا جغرافيا كبيرا من ارض المغرب الأوسط و الذي امتد في أقصاه من بونة شرقا إلى حدود بجاية غربا، وعرفت المنطقة ظاهرة هجرة السكان وانتقال فروع القبيلة من منطقة إلى أخرى عبر مراحل مختلفة من الزمن ،إلا أنها نشطت في العهد الفاطمي نتيجة تدهور الوضع السياسي و الاجتماعي ، فهاجر البعض إلى  شمال المغرب الأقصى للحفاظ على ولائهم لمذهبهم السني وهناك احتفظوا باسم القبيلة الأصلي كتامة بجبال الريف بإقليم الحسيمة الذي اشتهر بزراعة القنب الهندي وهو نوع من الكيف وهكذا ارتبط اسم كتامة به
ساهمت كتامة في بلاد المغرب الأوسط بقسط وافر في صنع أحداثه وتوجيه تاريخه كمقاومتها للغزو الأجنبي لاسيما الروماني والوندالي والبيزنطـي، كما كان لعدد من فروعها دور حاسم في العصور الوسطى مابين 909م - 1171م حيث ساهموا في تأسيس الدولة الفاطمية، التي اتسعت وامتدت شرقا وغربا  وكان الخلفاء الفاطميين يعتمدون في أغلب جيوشهم على أفراد من كتامة الذين شاركوا في فتح مصر وتأسيس القاهرة سنة 969،وهناك تم بناء الأزهر الشريف بسواعد جزائرية ، ومن ثم فتح الشام والحجاز
ولقد كانت الانطلاقة أو البداية الأولى لتأسيس الدولة الفاطمية من منطقة ايقجان او ايكجان التي تقع بنواحي بني عزيز بولاية سطيف دخلها الداعي أبو عبد الله الشيعي الصنعاني في أوائل القرن العاشر ميلادي ليبث وسط قبيلة بني سكتان الكتامية مبادئ الدعوة الإسماعيلية وهناك لقي التأييد والحماية
إن اختيار قبيلة كتامة دون سواها لاحتضان الأفكار الإسماعيلية لا يمكن تفسيره إلا بوجود فترة ركود سياسي وحضاري كانت تمر بها هذه القبيلة وقد استغل الفاطميون وضعها هدا لتفعيل طاقاتها الخاملة خدمة لأغراضهم السياسية
ولم يكن من محض الصدفة و المفارقة أن يختار الفاطميون بلاد المغرب الإسلامي البعيد جغرافيا عن المشرق  لنشر أفكارهم المتمثلة في المذهب الاسماعيلي بل إن التحضير لهدا المشروع الدعوي ابتدأ منذ القرن التاسع ميلادي وجهزت لإنجاحه الأموال و الرجال فأرسلوا الدعاة لتهيئة الأجواء و البداية كانت مع أبا سفيان و الحلواني  فنجحا في تهيئة الأرضية و تقبل الناس التشيع وتشيعت الكثير من القبائل ومع قدوم ابو عبد الله الشيعي وجد الأنفس مهيأة لقبول المذهب الاسماعيلي فاستقر في مجالات كتامة متخذا من ايكجان مركزا لدعوته

ولازالت إلى يومنا هذا بعد آثار القلعة التي أسسها ابو عبد الله الشيعي

كما بقي القليل من التراث الشفوي الشيعي متمثلا في بعض العادات كعادة تقبيل اليد  ففي مرحلة الدعوة تفشت بين الاخوان على ما يذكره القاضي النعمان تحية خاصة " إن تلاقى الرجلان منهم تصافحا و تعانقا و قبل كل واحد يد صاحبه "  ولازالت عادة تقبيل اليد متفشية  في أوساط الأرياف وخاصة بين النساء لاحظتها في الكثير من المرات وخاصة في المناطق الشمالية الشرقية لسطيف كميلة وجيجل كما أن عادة المعانقة مازالت هي الأخرى شائعة في بلاد المغرب العربي وحتى المشرق 
ومن المأثورات الشيعية أيضا كلمة عايشة راجل التي سبق وان أشرت إليها في مقال سابق 
القسم بغير اسم الله عزوجل: حق النبي حق ستين حزب كما يحلف المرء بأولاده أو بشخص يعزه أو ينذر باسم فاطمة رضي الله عنها حق لالا فاطمة بنت النبي، إلا أن استخدامها تلاشى تدريجيا 

فمن المفرح أن ترى بالمنطقة التي انبثقت منها الدعوة الإسماعيلية تمسكهم اليوم بالمذهب المالكي والفضل يعود لعلماء أهل السنة و المالكية الذين حملوا لواء الدفاع عن المذهب السني ضد محاولات التشويه التي سعى إليها الفاطميون الشيعة
بينما كنت  اصور المنطقة لمحت بالصدفة شابا يصلي بخشوع بعيدا عن ضجيج البشر و الصورة اصدق تعبير عن الوضع  الحالي للمنطقة 

المراجع :
-قبائل المغرب الجزء الأول عبد الوهاب بن منصور
-دور كتامة في تاريخ الخلافة الفاطمية منذ تأسيسها إلى منتصف القرن الخامس هجري للدكتور موسى لقبال
-افتتاح الدعوة القاضي النعمان المغربي
"اقيجان" جمعها اقجون والتي تعني باللهجة الأمازيغية الكلاب وسر التسمية قديم يرجع إلى اعتماد سكان الناحية في الحراسة على الكلاب التي كانت توضع في المرتفعات

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر