جنان الصالحة

بحكم تشابه القيم و العادات و التقاليد  في بلدان المغرب العربي نجد أنواع كثيرة من التراث الثقافي منتشرا في أوساط مجتمعات هذه الدول  فليس مستغربا أن نجد مثلا  الألعاب الشعبية المتداولة قديما في  بلاد المغرب الأقصى نفسها في الجزائر إلا أننا قد نجد كما ذكرت في المقال السابق أن مسمياتها تختلف من مكان لأخر وكذلك تفاصيلها إلا أن مبادئها الأساسية تبقى ثابتة لا تتغير، و قدمت  مثالا على لعبة احجيجل امجيجل التي كانت سائدة في المجتمع الجزائري حتى وان كانت تختلف من منطقة إلى أخرى إلا أن مضمونها واحد ، وفي حقيقة الأمر فان هذه اللعبة هي وليدة البيئة المغربية لكن بانتقال هذا  التراث الشعبي شفهيا على السنة الناس احدث فيها تغييرا وإضافات على المعنى العام تأثرا بالبيئة التي وصل إليها
 اشتهرت ببلاد المغرب الأقصى لعبة من الألعاب الشعبية القديمة تدعى اجرادة مالحة  وطريقة اللعب هي نفسها الموجودة في الجزائر إلا أن الأغنية تختلف كلماتها  وقد توارثتها الأجيال عن بعضها البعض و  مطلعها كالتالي
آجرادة مالحة
فين كنتي سارحة؟
في جنان الصالحة؟
آش كليتي؟ آش شربتي؟
التفاح و النفاح 
والــــحــــكــــمــــة بـــإيـــديــــك يا القاضي بومفتاح
ايوا مشات حكايتي من واد  لواد ومن بلاد لبلاد يحكيها الجداد للصبية و لحفاد
ارتبطت هذه القصيدة الشعبية  بخرافة  شعبية حول  ساحرة تحولت إلى جرادة مالحة المذاق  بأمر من قاضي القبيلة و الذي يدعى  بومفتاح  بعد خطفها لأبناء امرأة صالحة و عقب تحولها قامت بالهجوم مع سراب من الجراد على  بستان المرأة الصالحة  ليهلك ثماره إلا أن هذا السرب لم يفلح فكلما ذاق ثمرة يجدها مالحة فيسقط على الأرض  فهم الناس بالتقاطه واكله
لكن هذه الخرافة تبقى من نسج الخيال وما أكدته المصادر التاريخية  أنه في سنة 1954م ضربت المجاعة المغرب الأقصى فأطلق عليه  المؤرخون  عام الجوع أو عام بوهيوف
وفرضت هذه المجاعة على المغاربة أكل الجراد و النباتات  البرية لمقاومة الجوع وقد كان  الجراد يجفف ويملح ثم يأكل ، ومن ثم أصبح الجراد المملح من أشهى الماكلوت عند المغاربة إلا أن هذه العادة بدأت بالتقلص تدريجيا إلى أن اندثرت بشكل تام  إلا أن تأثيرها في الوجدان و العقل الجمعي مازال مستمرا من خلال الأغنية الشعبية التي لازال يتغنى بها البعض
وبرجوعنا إلى المصادر التاريخية   وجدنا أن  "جنان الصالحة"  المذكور في  الخرافة حدائق حقيقية  موجود على ارض الواقع بمدينة مراكش المغربية  و تسمى اليوم بحدائق اكدال لكن لم يصادفني الحظ أن أصورها لأنها كانت  مغلقة للعامة  
 وحسب ما ذكر في المصادر التاريخية فان حدائق أكدال مساحاتها شاسعة وتمتاز بأشهى وألذ الثمار التي غرست وبقيت حية منذ إنشائها في عهد الموحدون في القرن 12م ويعود الفضل في إنشائها إلى الخليفة الثاني الموحدي أبو يعقوب يوسف بن عبد المومن بن علي وأطلق عليها اسم جنان الصالحة نسبة إلى والدته  التي تسمى الصالحة والتي هي زوجة أول خليفة موحدي عبد المومن بن علي
ويقال انه مع مرور السنين اصبحت  هذه الجنان  تابعة لملكية العائلة السعدية 
فقامت والدة  المنصور الذهبي السعدي  والتي تدعى  أيضا الصالحة بالتصدق بجزء من البستان للعامة لالتقاف الجراد الذي كان يأكل من شجر التفاح وهكذا رسخ اسم الصالحة في الذاكرة المغربية بتلك الحدائق التي يقال عنها أنها صممت بدقة وإبداع لا يوصف فتغنى النساء و الأطفال بجمال هذه الجنان بقصيدة شعرية كما نسجت حولها الأساطير  فبقيت متوارثة عبر التاريخ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر