كلمتا زغبة و كعبى في اللهجة الجزائرية

كثيرا ما نستخدم في حياتنا اليومية عددا من  الألفاظ العامية  التي غالبا ما نجهل جذورها اللغوية أو حتى  جذورها التاريخية، فلا  نعرف أصلها ولا من أين جاءت ؟لكن بالبحث و التقصي  تتضح لنا أصول بعض الكلمات العامية  و التي غالبا ما يكون لها علاقة باللغة و الثقافة و الدين و التاريخ ، وفي هذا المقال اقتصرت على عرض لفظين غالبا ما يردان على لسان سكان الجزائر و المغرب الأقصى  لهما علاقة بتاريخ المغرب العربي في حقبة من حقبه.
هما كعبى وزغبة هاتان الصفتان المتداولتان في القاموس العامي المغربي  كناية عن تعثر الحظ ، أما بالجزائر فكلمة زغبة  تدل على التصغير مثلا  نقول "هذا قد الزغبة"  أي هذا الشخص حجمه صغير  و كعبى فتطلق على الشخص الفريد من نوعه. وهاتان الكلمتان لهما معنى في قواميس و معاجم اللغة العربية الا ان العامة من سكان المغرب العربي حرفتهما عن معناهما الاصلي وربطتهما بأحداث تاريخية مرت على بلاد المغرب العربي بما يعرف بالتغريبة الهلالية  .
فما علاقة هاتان الصفتان بقبيلتي كعبة و زغبة العربيتين التي جاءتا من المشرق العربي إلى المغرب ؟  و هذا السؤال  هو الذي جعلني أقوم بالحفر في جذر الكلمتين لمعرفة نسبهما ، و قد  تبين لي من خلال المصادر التاريخية أن لهما أصل تاريخي يعود إلى الزحف الثاني للعرب إلى الشمال الإفريقي في القرن الحادي عشر ميلادي ، حيث أن قبائل بني هلال ومن معها من قبائل عربية وخاصة قبيلتا زغبة و كعبى خلفت في بداية هجرتها أثارا سلبية بالمغرب الأدنى وما حاذاه من شرق المغرب الأوسط ،فقد انقض الأعراب كالطوفان الغامر والجراد الكاسح ، ينسفون المدن و يخربون القرى ويغورون الآبار ويعذقون الأشجار ويقتلون السكان رجالا و نساء شيوخا وأطفالا ، وهذا ما جعل أهل البلاد تنقبض صدورهم من وصول هؤلاء الأعراب، وتتعوذ ألسنتهم لمجرد ذكرهم ويضربون المثل بهم في الشؤم و الشقاء المنسوب  إليهم فيطلقون كلمة " زغبة وكعبى" على كل شقي منحوس سيء الطباع( 1) فهؤلاء القوم على غير العرب الأوائل الفاتحين الذين جاءوا لنشر الإسلام فقد كان هدف العرب الهلاليين  تخريب بلدان المغرب العربي ونشر الفوضى ، وهذا ما حمل المؤرخ العربي عبد الرحمن ابن خلدون الحكم عليهم أحكاما قاسية في تاريخه متأثرا مما عاين من أثار وحشيتهم وثمار همجيتهم ، فالعرب الهلالين كان الهدف من مجيئهم نشر الرعب و الفساد بين السكان بأمر من الخليفة الفاطمي المستنصر ، الذي بعثهم من صعيد مصر انتقاما من بنو زيري، بعدما  انفصلوا عن الدولة الفاطمية وأسسوا دولتهم، ومع مرور الزمن تأقلم أولائك الأعراب مع السكان وانصهروا فيما بينهم  ونشروا اللغة العربية بالشمال الإفريقي وهي الميزة الايجابية التي شفعت لهم عند سكان  المغرب العربي ،  فباستقرار تلك القبائل عمت اللغة العربية وطغت على اللسان البربري في المدن و الأرياف  ويقول عثمان سعدي  في ذلك:" أكد التاريخ أن هجرة بني هلال وبني سليم للمغرب كانت إيجابية لأنها ساهمت بحسم في تعريب أقطار المغرب العربي"(٢).
وتعتبر الهجرة الهلالية أهم حدث عرفته بلاد المغرب العربي فهي التي أثرت أكثر على السكان  من الفتح الإسلامي لأن الزحف الأول للعرب في بداية الفتح الإسلامي قدموا لسكان المغرب العقيدة و الإيمان،  أما الزحف الثاني أو ما يعرف بالتغريبة الهلالية أعطى لهم اللغة و القومية العربية ، يقول  أحمد توفيق المدني:" فهجرة بني هلال وبني سليم هي التي طبعت البلاد الجزائرية بالطابع العربي أبديا " (٣) طابعا خالدا لم يمحه الدهر.
المصادر:
١-قبائل المغرب الجزء الأول عبد الوهاب بن منصور
٢-سعدي عثمان عروبة  الجزائر
٣-احمد توفيق المدني كتاب الجزائر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر