الشيخ أبي مدين الفقيه و المتصوف و المجاهد

حضرت على قناة كنال الجيري روبرتاجا عن الشيخ شعيب بن محمد بن الحسن الأندلسي المعروف بأبي مدين
تضمن الروبرتاج فيلما قصيرا يجسد حياة المتصوف أبي مدين بطريقة تصورية رائعة تلخص حياة هذا القطب الذي يعد من أشهر مشايخ الحركة الصوفية في بلاد المغرب العربي
ولد أبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري الأندلسي سنة 1115م ، في قطنيانة الواقعة بضواحي إشبيلية في الأندلس ونشأ فيها فقيرا  إلا أن طموحه وإرادته جعلته يتحدى نفسه  ويسافر من أجل طلب العلم، فعبر مضيق جبل طارق إلى مدينة  طنجة ثم إلى سبتة فعمل اجيرا لدى صيادي السمك ثم توجه إلى مراكش و صار يسأل عن مجالس العلم  فنصحوه بالتوجه إلى فاس ، فاتجه إليها  ليتفرغ للعلم و العبادة 
لزم أبو مدين جامع القروين  يتردد على مجالس عدد من العلماء و الفقهاء  للاقتباس من شتى العلوم  لكنه لم يكن يفهم شيئا مما كان يقال  ، إلى أن جلس مجلسا كلما تكلم صاحبه بكلام  ثبت في قلبه وحفظه فسأل عن صاحب المجلس فقيل له أبو الحسن بن حرزهم  فلازمه ابو مدين  لينهل من علمه
ثم  تردد على مجلس فقيه فاس وعالمها الشيخ أبي الحسن بن غالب ،  كما أخذ على يد ابي عبد الله الدقاق وابي الحسن السلاوي بعدها تاقت نفس أبي مدين إلى التصوّف، خاصةً أن التصوّف كان رائجًا في زمانه فلبس الخرقة وانتسب إلى طريق القوم على يد الشيخ أبي يعزى بعد سلوك و مجاهدة 
بعد أن نهل من زاد التصوف، قصد  البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج، وهناك التقى بطائفة من العلماء من بينهم العالم الصوفي عبد القادر الجيلاني مؤسس الطريقة القادرية ، فأخذ عنه الكثير من الأحاديث الشريفة و اودعه كثيرا من أسراره و البسه الخرقة بدوره مما جعل ابا مدين يفتخر بصحبته ويعده من أفضل مشايخه الأكابر، وبعد رحلته الطويلة إلى المشرق، والتي دامت أكثر من عقدين من الزمن، رجع  أبا مدين شعيب إلى  بجاية وهناك طاب له المقام  فمكث بها 15 سنة يدرس ويربي النشئ  على الصلاح و التقوى وهناك كتب شعره الذي يقول عنه المقري :"كثير مشهور بين الناس " وقد أصبح هذا الشعر ينشد ويغنى به في محافل الذكر 
و أشار الروبرتاج إلى نقطة مهمة عن أهم الأعمال الخالدة التي مازال التاريخ يشهدها لأبي مدين ، ألا  وهي  مشاركة الشيخ مع سكان المغرب العربي في الجهاد لتحرير القدس من الصليبيين في زمن صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين الشهيرة في  سنة 1187م وكان النصر حليف المسلمين وهناك قطعت ذراعه اليمنى وهي مدفونة في مكان كان يسمى مقام أبو مدين
 وعرفانا لجهاد أبي مدين و  الجزائريين الذين شاركوه في تحرير القدس من يد الصليبين،  أوقف لهم  إبن صلاح الدين الأيوبي  حارة  بجانب المسجد الاقصى  سميت بحارة المغاربة تولت إدارتها عائلات من أصل جزائري ، كما أوقف قرية عين كارم لأبي مدين وجنده
وبقيت هذه الأوقاف صامدة لعدة قرون ، وبالرغم من سعي الحركة الصهيونية لتملك حي المغاربة الملاصق لحائط البراق أو مايسمى بحائط المبكى ،   إلا أن أساليبهم باءت بالفشل بأول الأمر وأدت إلى قيام ثورة البراق في 1929م التي تمكنت بمعاضدة رجال الدين لها من إبطال الإدعاء الصهيوني للسيطرة على الحي ،  لكن في سنة 1967م  سيطر عليها الإحتلال الإسرائيلي  بشكل نهائي وقاموا بتوسيع حائط البراق و دمرت  آلاتهم تسعة قرون من الحضور التاريخي الجزائري ، هدموا المعالم الأثرية وشردوا العائلات التي كانت تقطن المنطقة ، وهكذا اختفى حي المغاربة الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر
و الروبرتاج لم يتطرق إلى هذه النقطة المهمة فبزوال حي المغاربة إنتهى تاريخ أهل المغرب العربي في المدينة المقدسة ذلك التاريخ الذي كان مرصعا بالمجد و البطولات
بعد عودة الشيخ أبو مدين  من القدس، رجع  لمدينة بجاية ، وهناك رزق بابنه مدين، وتقول المصادر التاريخية أنه تزوج من جارية حبشية، وظل  الشيخ يدرس في جامع  بجاية و  يمارس الوعظ والإرشاد فذاع صيته في بلاد المغرب وقد  كانت تعاليم أبي مدين الصوفية التي يقوم  بنشرها في بجاية تخالف مذاهب الفقهاء الموحدين فازداد قلق هؤلاء من شهرته التي ملأت الآفاق ومن تلاميذته الذين تكاثر عددهم ، فوشوا  به إلى الخليفة الموحدي  يعقوب المنصور واخبروه أن لأبي مدين شبه بالإمام المهدي وأن أتباعه كثر، فتاثر الخليفة لهذا الكلام  واوجس منه خيفة ، فكتب إلى والي بجاية يأمره بأن يرسل الشيخ أبا مدين إليه في مدينة مراكش  لكي يتأكد من حسن نواياه
وفي طريقه من بجاية إلى مراكش ساءت حالة الشيخ ابو مدين  ، وما إن شارف  تلة العبَّاد بتلمسان حتى قال: «هذه تربة العبَّاد ما أحلى بها الرقاد» وتوفاه الله بالقرب منها  وكان ذلك  سنة 1198م، ، وبالرغم على مرور عدة قرون من وفاته إلا أن ضريحه  في قرية العباد مايزال محط الرعاية و الإحترام، وقد تطرقت الى موضوع الضريح  في المقال السابق عن مدينة تلمسان  .

المصادر :
-العالم الرباني سيدي أبو مدين شعيب ج 1 لعلاوي محمد الطاهر
-شيخ الشيوخ أبو مدين الغوث حياته ومعراجه إلى الله لعبد الحليم محمود
-انس الفقير وعز الحقير لابن القنفد القسنطيني






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر