فكرة المهدية

من حين لأخر نسمع حكايات خرافية عن أشخاص يدعون أنهم المهدي المنتظر في عدة مناطق من العالم العربي ، وهي ليست ظاهرة جديدة ، فحركة المهدية ظهرت منذ القرن الأول للإسلام ، ولها أدعياء كثيرون عبر التاريخ استغلوا فكرة أن المهدي سيظهر في أخر الزمان كما جاء في الأحاديث النبوية ، وكان غرضهم من ذلك تحقيق أحلامهم من الوصول للحكم و السيطرة على الناس ، وكانت لحركاتهم أثار سياسية وفكرية خطيرة في التاريخ الإسلامي ، فمن الضروري  معرفة أصل وجذور هذه الفكرة وتطورها  .
لقد تعددت الآراء في مسألة المهدية بين السنة و الشيعة فنجد أن السنة مبداهم في ذلك يقوم على أساس أن المهدي أحد الخلفاء العادلين المسلمين سيولد إن شاء الله ويجري عليه كل ماتقتضيه الطبيعة البشرية حسب سنة الله في الكون وسيتولى الحكم اذا شاء الله تعالى فيحكم بالعدل ويتبع خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم فتظهر له آثاره من الرخاء و الطمانينة( 1)
ولكن بعد ما ظهرت الفتن و الخلافات بين المسلمين وقامت فرق ومذاهب عديدة دخلت عوامل سياسية وحزبية وطائفية فغيرت هذه الفكرة من حقيقتها إلى قصة وهمية خيالية عند بعض الفرق كأتباع السبئية  الذين ادعوا أن علي بن أبي طالب هو المهدي المنتظر وادعوا رجعته إلى الدنيا
ولما نشأت فرقة الكيسانية بزعامة المختار بن أبي عبيد الثقفي زعم هو وفرقته أن محمد إبن حنفية إبن علي رضي الله عنه هو المهدي وأنه لم يمت بل حي يرزق وسيرجع للدنيا فيملاها عدلا .
إن فكرة الرجعة التي تقول بعودة الروح إلى الوجود مرة أخرى أصبحت تشكل محور أساسي عند الشيعة عبر مذاهبهم المختلفة كالمذهب الاسماعيلي مثلا الذي وصل إلى المغرب العربي  عن طريق عبد الله الشيعي ليبث عقائد هذا المذهب في أوساط البربر فتقبلوه بسرعة نظرا لاضطهادهم من  قبل الولاة العرب التابعين للدولة العباسية ثم ظهر عبيد الله الملقب بالمهدي المنتظر الذي دعا إليه أبو عبد الله الشيعي ومهد له الطريق للوصول إلى الحكم ببلاد المغرب العربي ومن ثم سميت دولته بالدولة العبيدية أو الفاطمية التي اتسعت جغرافيتها فيما بعد ووصلت إلى المشرق.
وكان من أكبر الدول التي نجحت بإسم المهدي أيضا في المغرب العربي دولة الموحدين بقيادة زعيمها محمد بن تومرت ،وتتمثل حركته في الزعامة الروحية و الإصلاح و الأمر بالمعروف و  النهي عن  المنكر ،إلا أن بن تومرت  مات قبل أن يكمل تأسيس دولته ليخلفه عبد المؤمن الذي ذاع صيته بكل  من بلاد المغرب والأندلس فيما بعد.
وهكذا نرى أن الشيعة بفرقها المختلفة هم أول من روج لفكرة المهدية بمفهومها الخاطئ و صارت الأساس النظري لحق آل البيت في إستعادة السلطة السياسية التي سلبت منهم حسب معتقدهم منذ يوم السقيفة مرورا بالدولة الأموية ثم العباسية ولهذا تعددت ثوراتهم خصوصا في العهد العباسي كثورة القرامطة و ثورة الحشاشين وثورة البساسيري ، وخلفت هذه الثورات أثار سلبية على الأمة الإسلامية لازالت أثارها إلى اليوم.
أما في العصور الحديثة ظهرت حركات ثورية سنية عديدة يدعي القائم بأمرها انه المهدي المنتظر وهي ذات مضمون ديني وسياسي كالتي ظهرت بالسودان بزعامة محمد أحمد بن السيد عبد الله مستغلا أوضاع بلاده التي ألت إلى الانحطاط الخلقي و الفكري  معلنا مهديته .
أما بالجزائر فظهرت بعض الحركات المهدية خلال القرن التاسع عشر  كثورة الشيخ موسى بن الحاج الدرقاوي بإقليم المدية سنة 1834م ،و الشيخ محمد الصغير التيجاني بإقليم الجنوب سنة 1838م ، وثورة بومعزة 1845م ،وحركة محمد امزيان بإقليم الاوراس 1879م ،إلا أن الملاحظ أن جل المؤرخين الجزائريين لم يهتموا بالحركات المهدية بالرغم من تأثيرها الكبير على المقاومة الجزائرية ،يقول الأستاذ محمد الغالم في مقال له على الانترنت بعنوان ظاهرة المهدي المنتظر في المقاومة الجزائرية خلال القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين «وحذا المؤرخون الجزائريون المعاصرون حذو أسلافهم، فلم يهتموا بظاهرة "المهدي المنتظر" و تأثـيراتها على المقاومة الجزائرية، فمنهم من لم يتناولها تماما وأعرض عن دراستها ،ومنهم من أدمجها ضمن العامل الديني أمثال عبد الحميد زوزو في كتابه ثورة الاوراس سنة 1879م، و يعود ذلك إلى المنظور القومي الوضعاني الذي تتسم به الاسطوغرافيا الجزائرية المعاصرة. »
كما نلاحظ أن الكثير من المؤرخين العرب أنكروا فكرة نزول المهدي منهم الأستاذ الجزائري عبد القادر بوطبل في كتابه تاريخ مدينة حمو موسى في الماضي و الحاضر يقول «لازالت هذه الدعاية سارية المفعول إلى يومنا هذا في أذهان الكثير الذين ينتظرون نزول الإمام المهدي من عند الله ،وهي نفس الدعاية التي عمد إليها المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية ،وهذه كلها خرافات اتخذت عمدا لكسب القضية وتحقيق أغراضهم آنذاك، وقد اتخذوها لإقناع الناس وجعلهم تابعين لهم و مؤيدين لدعوتهم »
يقول الأستاذ أحمد أمين في كتابه  ضحى الإسلام  «فكرة المهدية هذه لها أسباب سياسية و اجتماعية ودينية ففي نظري أنها نبعت من الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وذلك بعد خروج الخلافة من أيديهم وانتقالها إلى معاوية وقتل علي وتسليم الحسن لأمر معاوية»
ونرى أن الأستاذ أحمد أمين في كتابه  المهدي و المهداوية اتفق في رأيه مع  ابن خلدون الذي ضعف الأحاديث النبوية المروية عن المهدي «و أنا ممن يرى رأي إبن خلدون في ضعف هذه الأحاديث المهدوية » ثم يقول في موضع آخر «لئن كانت الأحاديث المروية عن المهدي قد ضعفها ابن خلدون لسندها فهناك وجه أخر لتضعيفها وهو عدم ملاءمتها للعقل»
إن إبن خلدون المؤرخ الشهير في مقدمته لم ينكر المهدي كلية إنما انتقد بعض الدجالين  الذين يدعون كونهم المهدي محتجين بأحاديث  رآها ضعيفة  و نظرا لشهرته  نجد أن الكثير من الكتاب و المؤرخين تأثروا به دون أن يمعنوا النظر في الأحاديث أو يحققوا فيها
ومن الذين كذبوا أحاديث المهدي أيضا  الأستاذ سعد محمد حسن في كتابه المهدية في الإسلام ويزعم أن هذه العقيدة دخلت إلى  الإسلام من الوثنية و المسيحية يقول «نحن لا نشك في أن العقيدة العامة من أهل السنة بل وكثير من الخاصة إنما هي اثر شيعي تسرب إليهم فعملت فيه العقلية السنية بالصقيل و التهذيب أما القول بعودة المسيح فهو دون ريب من أثار المسيحية في الإسلام »
إن الآراء المعارضة لفكرة المهدي متعددة ذكرت البعض منها فقط على سبيل المثال و بالمقابل هناك كتب لمؤلفين ومؤرخين أيدوا هذه الفكرة لأن خلافة المهدي في أخر الزمان حق ولا يمكن إنكارها لثبوت أحاديث صحيحة تبشر بذلك كما أن فكرة المهدوية فكرة سليمة و الخطأ في أولائك الذين حاولوا استغلال الفكرة  من الطامعين في السلطة  والحكم على أولائك المتبعين لهم لجهلهم وبعدهم عن التعاليم الإسلامية الصحيحة
1- المهدي المنتظر في ضوء الاحاديث و الآثار الصحيحة واقوال العلماء واراء الفرق المختلفة للدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر