الأغنية الشعبية الجزائرية

تعتبر الأغنية الشفوية الشعبية الجزائرية المتداولة  قديما بين الأمهات و الجدات جزء من ثقافتنا ،فهي تعكس جانبا من عاداتنا وتقاليدنا  وترصد حياتهم اليومية  بآمالها وآلامها ، إلا أنها توشك أن تندثر لإهمالها في الوقت الحاضر ، وهذا الإهمال سيؤدي لا محالة إلى اندثار حلقات من تاريخنا  ، ولهذا وجب الاهتمام بها بعيدا عن  فكرة أن الأغنية الشعبية لا تستحق الاهتمام لأنها لا تمثل المستوى الأدبي و الفني
ارتبطت الأغنية الشعبية منذ القديم بالبيئة الإجتماعية و الحالة النفسية للمرأة  فكانت تعبر عن ما يخالج شعورها من فرح وحزن بدندنة لطيفة  بينها وبين نفسها ثم تحول هذا الإبداع  التلقائي إلى موهبة تلقى وسط جموع النساء في الأفراح و المناسبات وربما شاركتها الحاضرات بإبداعهن فكون أغاني جماعية
تتنوع مواضيع الأغاني الشعبية بتنوع  المواقف و المناسبات  الاجتماعية التي نظمت من أجلها  ، و بما أن تراثنا الشفوي يزخر بالعديد منها  جمعت عددا لا باس به مما تختزنه ذاكرتي ومن محيطي  مما يدل  على الثراء الفني الذي نملكه
 تتولد بين الطفل و الأغنية الشعبية علاقة حب قوية منذ صغره فرحلته تبدأ معها يوم ولادته فهو ينام على صوت أمه وهي تدندن له ويكبر على ذلك الإيقاع الذي تلقته أذناه فيظل راسخا بذهنه طوال حياته ومن ذلك أغنية نني يابشة التي لازالت راسخة بذهني ماحييت:
نني نني يا بشة ، واش نديرو للعشا ؟نديرو جاري بالدبشة ؟ولا نعمة بالكرشة ؟ويجي وليدي يتعشى
تردد الأم هذه الأغنية على مسامع ابنها حتى يداعب النوم أجفانه فينام ، يبدأ مقطع الأغنية بتدليل الأم ابنها بكلمة بشة وهذه الكلمة تطلق في عاميتنا على الهرة ، ثم تسأله ماذا سأحضر لك على العشاء وتجيبه في نفس الوقت واعدة إياه بتحضير أشهى الأكلات التقليدية الموجودة بمنطقة الشرق الجزائري  إن هو نام ، فتقول نديرو جاري بالدبشة أي هل تريد أن أحضر لك حساء شربة وفوقه القليل من الكسبر الأخضر ؟أم سأحضر لك نعمة بالكرشة أي كسكس بكرشة الخروف
أعادت الفنانة الجزائرية  ياسمين بلقاسم غناء هذه الأغنية بنفس اللحن لكن بكلمات مختلفة فلاقت نسبة عالية من المشاهدة على موقع اليوتوب ، فمن الجيد  إعادة  احياء  الأغاني التراثية بقالب جديد حتى لا تضيع من جهة وحتى ينمو أطفالنا على حب تراثهم بدلا من حفظ أغاني ليست من تراثنا كأغاني طيور الجنة والتي في معظمها من التراث الأردني و الفلسطني
وبجو مشحون بالسعادة يعلو صوت الأم  بترديد أغنية جميلة لترقيص طفلها  أثناء مداعبتها له فتقول:
سعدي يانا فرحي يانا  بالزيين إلي عندي اليوم في حجري وغير غدوة يجري
رغم بساطة أفكار الأغنية إلا أنها تحمل في طياتها كلمات و معاني عميقة فالأم تعبر عن سعادتها بطفلها المتواجد على حجرها أملة أن تراه بوقت قريب  يجري على رجليه
وبعاطفة جياشة تدعو الأم من الله سبحانه وتعالى أن يحمي ولدها فتراه كبيرا :
أنا طلبتك يا ربي العالي         تحجبلي على وليدي               حتى يعود شايب كبير
يعيش لي أوليدي                                    وأنا بالحيا مازلت
انتقلت  الأغاني الشعبية  من الجدات إلى الأمهات فحملت في بعض الأحيان خرافات وحكايات شعبية كالتي تقول:
نني نني يابربور أمك راحت تجيب الفول واحكمها وحد الغول
وأخرى تقول:
نني نني يا بربور و مك راحت للبعيد
وخلات الكسرة اتطيب  و البقرات بلا حليب
نني نني يالحبيب   تكبر وتولي طبيب
ترافق هذه الأغنية صورة واضحة عن العادات في عهد مضى كانت تقوم بها المراة كقطف الفول وحلب البقر
كما تبين الأغنية التي قبلها جانب من الخرافات و المعتقدات كاكل الغول اي الوحش  للأم 
تغني الجدة  هتين الاغنتين لحفيدها الذي فقد والدته لسبب  ما ، بلحن حزين وتواسيه بقولها نني نني يالحبيب املة أن تراها مستقبلا في أعلى المناصب 
من خلال هذه النماذج الغنائية القديمة  يتضح لنا أن المرأة الجزائرية استطاعت أن تبدع بإلقاء أغاني متابينة المضامين على طفلها حتى توثق علاقتها بابنها  وتنشئه  على حب الإستماع لتتكون عواطفه و مشاعره بنقاء وصفاء  
من أغاني الأفراح و المناسبات التي لازالت تردد ليومنا أغنية تؤدى  عند الختان  أو ما يسمى بعاميتنا الطهور تقول:
طهر يا طهار  طهرلي وليدي
لا تجرح اوليدي لانغضب عليك
لاتجرحلي وليدي العزيز عليا
تتوسل الأم وتطلب من الطبيب أن يحترس  في عمله حتى لا يخطئ في جرح ولدها وإلا ستغضب عليه
 ومن أغاني الأفراح  أيضا أغاني ليلة الحناء  عشية  ليلة الزفاف، ففي بيت العروس تقوم الجدة أو الأم بعجن الحناء بالحليب و السكر و إشعال الشموع وتضع الحناء على يد العروسة مرددة الترانيم التالية:
مدي يدك للحنة مدي يدك حباب ديرين طفلة صغيرة فرحانة مدي يدك
ثم تقوم الحاضرات بدف البندير وترديد  الأغنية التالية  :
صلو على محمد و زايدو بالصلاة عليه
حبيبنا محمد خيار مانقول
صلوا على محمد يا النبي العربي
هدا فرح مجدد كمل ياربي
صلوا على محمد وزيدو على الرسول
تبدأ هذه  الأغنية  بالتبرك بالصلاة على النبي ذا النسب العربي الأصيل و التضرع إلى الله بإكمال الفرح بكل خير تم تنتقلن إلى مقطع أخر يصف الحناء  :
 جيبو الحنة في صحن بلار تحني لعروسة  وجميع لحباب الدايرين
 كما توجد نماذج عديدة من اغاني حناء العروس  كالمقطع التالي:
اربح اربح يارابح
و إذا قال الفال  
إن شاء الله تربح مرت وليدي وتربي الصبيان
واش أعجبني في لحنينه
أعجبني نوارها
هدي مرتك أوليدي
ومن لبنات اختارها
الحنة الحنينة وجات من مكة سايرة
تحني بها العروسة وحبابها دايرة
 استهلت الأغنية بكلمة الربح والبشرى بالفال  يتوسطها دعاء أم العريس لزوجة ابنها ان يرزقها الله عزوجل الذكور  فخصصتها بكلمة تربي الصبيان بدلا من الإناث وهذا يعبر عن مدى حب إنجاب الذكور وهذا راجع للأفكار الشائعة قديما أن الذكر هو الذي يحمل اللقب العائلي ويخلده و يخفف عبء الحياة عن والديه بمشاركته الفعالة في الإنتاج
ثم تقوم بوصف الحنة التي جاءت بها من مكة لتحني بها العروسة وسط أحبابها وأقاربها
 وعند مغادرة العروسة بيت اهلها تستقبل  بالزغاريد و البارود و الترحيب عند قدومها لبيت العريس:
يا مرحبا بولاد سيدي طلوا جماعة
طلوا جماعة وسولا سيوفهم لماعة
كي حطوها فوق فراش حرير
شوف لمايمة كي عادة تفرح
كي حطوها فوق الكرسي
شوف لمايمة كي عادت تبكي
كي حطوها فوق السرير سمسم وحرير
يادار بوها بقاو على خير
كي حطوها فوق العود وبشماق مجبود
يادار بوها ارميو البارود
كي حطوها فوق البابور شرقت لبحور
فاطمة الزهراء بنت الرسول
 وفي أغنية  أخرى تبين مدى تمسك مجتمعنا بعاداته التقليدية القديمة كعادة الشورى أو ما يسمى  بجهاز العروس الذي تأتي به من بيت أهلها: 
يامرحبا بعروسنا يا مرحبا يامرحبا
يا مرحبا بقندرتها الحمرا يا مرحبا
يا مرحبا بقطيفتها المحروجة يامرحبا
يامرحبا بشورتها يامرحبا
يامرحبا بحوايجها يامرحبا
أطلقت المرأة الجزائرية العنان لمخيلتها الإبداعية  فخلقت عالما مرهف الإحساس يحيط بها في أجواء غنائية تحمسها على تأدية مختلف أعمالها المنزلية بحيوية ونشاط وهذا يظهر جليا في متن بعض النصوص الشعرية التي الفتها ولحنتها وهي تقوم بعملها داخل البيت أو خارجه كالحرث و الحصاد و النسج و الفتل و مخض الحليب  بهدف التخفيف من تعب و مشاق العمل:
قم احصد ترتاح  وقت الشدة فات   وهذا مقطع من أغنية تؤدى أثناء الحصاد في الموسم الزراعي
و عند موسم جني الزيتون الجميع يدعو احبابه واقاربه للتعاون على جنيه :
الزيتون مدربي ومدربي على بابو
يفرح عمي ويعرض احبابو
الزيتون مدربي ومدربي على لبيوت
يفرح بابا ويعرض خوتو
الزيتون مدربي ومدربي على القصبة
وانطلاقا من كل ما تقدم يتضح لنا أن الأغنية الشعبية من أبرز مظاهر الثقافة الشعبية  التي أبدعت فيها المرأة الجزائرية ونقلتها للأجيال التي بعدها باعتبار أن المرأة حارسة التقاليد  فالفضل يعود لها في بقاء هذا النوع من الأدب الشعبي ونأمل أن يتم الإهتمام به أكثر فأكثر من طرف المغنيين و العمل على نشرها قدر المستطاع  لإحياء هذا الإرث الشعبي الذي تزخر به بلادنا و المحافظة عليه من الضياع .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر