مسمار جحا

كثيرا  ما يتردد على ألسنتنا مقولة  مسمار جحا على أي شخص يفرض نفسه بقوة ، وتعود هذه العبارة لقصة قديمة بطلها أشهر شخصية فكاهية في التراث العربي انه جحا العربي الذي جمعت شخصيته بين الدهاء و الحس الفكاهي حتى بات يضرب بها المثل في النوادر
وتعتبر قصص جحا من أبرز القصص العربية التي تحوي عبرا وحكما قيمة كقصة مسمار جحا التي مفادها أن جحا باع بيته لشخص واشترط على هذا المشتري أن يترك له مسماره المعلق على الحائط ليبقى ذكرى من جحا في منزله فوافق الرجل على هذا الشرط وبعد أيام بدأ جحا بالتردد على المنزل بحجة أنه جاء لزيارة مسماره و الاطمئنان عليه واستمر على هذا الحال لفترة طويلة مستغلا  أوقات غذاء الرجل وعشائه ليشاركه فسئم الرجل من أفعال  جحا فاضطر لترك البيت لجحا ومغادرته نهائيا
ومن ثم أصبح يضرب المثل مسمار جحا على من يتخذ الذرائع ليزعج الناس
ألهمت قصة مسمار جحا الأديب الراحل علي احمد باكثير فأعاد صياغتها على شكل قالب مسرحي في القرن العشرين
تدور أحداثه في مدينة الكوفة أثناء احتلال الأتراك لها وقد تميز هذا العهد بالظلم و الاستبداد فكان إمام المدينة  الذي يدعى جحا يبين للناس في خطبه  مساوئ هذا الاحتلال ولكن لم ينتبه احد لما يقصده جحا« لقد بح    صوتي في إيقاظ هؤلاء دون جدوى»      
وبعد أن أصبح جحا قاضي القضاة اتفق مع ابن أخيه على مؤامرة سرية على أن  يبيع البيت ويترك مسمارا فيه ويشترط على المشتري أن يحتفظ بالمسمار ويزوره من حين إلى أخر مما يثير حفيظة المشتري ويقاضي البائع وتعرض القضية أمام القضاء ويتنازل في الأخير المشتري عن بيته اتقاءا لمضايقة البائع بمسماره
وقد كان لجحا حكمة بليغة من هذه المؤامرة  فقد  بين للناس في النهاية أن هذا هو الاحتلال الذي كان ينبههم إليه وهم في غفلة من أمرهم وما المسمار إلا ذريعة يتخذها المحتل للبقاء في البلد الذي نزل فيه ليبرر بقائه ، وقد عمد المؤلف من خلال هذه  القصة إلى الترميز و التلميح ليوضح الحجج الواهية  التي يستخدمها العدو لاحتلال بلد ما وهذا يعتبر إسقاط سياسي واضح على بلده مصر التي كانت وقتئذ تحت الوصاية  البريطانية
وبرغم من مرور زمن على هذه المسرحية التي ينطبق معناها العام على كل المستعمرين إلا أن الأيادي الخارجية لازالت تدق مساميرها على حيطان الدول العربية تارة تحت ذريعة الحماية  وتارة  القضاء على الإرهاب إلا أن السبب الحقيقي هو نهب ثروات هذه البلدان ويستحيل اقتلاع هذه المسامير لأنه لا يوجد بوقتنا الحالي لسان  كلسان جحا الذي تحدى يومها  الحاكم الأجنبي قائلا  :
يا رب المسمار   انزع مسمارك
من دار الأحرار   إذ ليست دارك

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر