الموسيقى الأندلسية بالمغرب العربي

يزخر المغرب العربي بألوان موسيقية متعددة الطبوع أهمها الموسيقى الأندلسية التي ظهرت بقوة بعد هجرة الأندلسين نحو المغرب العربي  إثر سقوط غرناطة سنة 1492م فنقلوا  معهم الفن الأندلسي إلى المغرب العربي، لكن هذا لا يعني أن الفن التوشبح ظهر ببلاد المغرب في وقت متأخر من سقوط غرناطة ، بل ظهر قبل ذلك بسنين ،فقد توافد عدد كبير من الأندلسيون في العهد المرابطي  فأدخلوا  معهم فن التوشيح إذا توافد عدد من الوشاحين كأبو بكر بن زهر الحفيد، كما أدخلوا إليه الزجل الأندلسي  حتى أصبحت مقروءة بالمغرب ، ومن الزجالين الأندلسيين  به نذكر سهل بن مالك الغرناطي ، فالموسيقى الأندلسية تسربت في العصر المرابطي الى المغرب ، فقد انتقلت اليه شخصيات مرموقة في هذا الميدان ، كابن باجة رائد هذه الموسيقى  والذي كان وزيرا ليحيى بن يوسف بن تاشفين ، وابو الحسن علي الغرناطي تلميذ ابن باجة وغيرهم كثير....
ومصطلح الموسيقى الأندلسية يطلق على الموسيقى الكلاسيكية بالمغرب العربي التي تقوم على الأداء الموسيقي الآلي و الغنائي لمقتطفات من الموشحات و الأزجال التي تؤدى وفق ترتيب مخصوص يطلق عليه إسم النوبة(1)
ويختلف الأسلوب الغنائي الأندلسي في بلدان المغرب العربي  فنجد الأسلوب الاشبيلي نسبة إلى إشبيلية بكل من تونس وليبيا وبمدينة قسنطينة الجزائرية ، وأخذ المغرب الأقصى  مزيج من أسلوب بلنسا نسبة إلى بلنسية وأسلوب غرناطة ، وأخذت الجزائر الأسلوب الغرناطي نسبة إلى غرناطة ، وانقسمت الموسيقى الأندلسية في الجزائر إلى ثلاثة أنواع: الصنعة بالجزائر العاصمة و الحوزي بتلمسان و المالوف بقسنطينة ، وهذا الأخير  يتفرع بدوره  إلى عدة طبوع  العيساوة، والفقيرات، والوصفان
ويحتوي  المالوف على 24 نوبة نسبة إلى ساعات اليوم، ولم يتبق منها سوى 12 نوبة، بسبب عدم التمكن من الاحتفاظ بكل النوبات بسبب تناقلها شفهيا فقط.
ويرجع أصل المالوف  إلى مدينة اشبيلية أرض زرياب وسيدي بومدين( 2)
 ولقد امتزج المالوف  بالأصول الأمازيغية و التأثير التركي وهكذا  استطاعت قسنطينة أن تستخرج أصالتها الفنية الموسيقية،  فالموسيقى الأندلسية بالجزائر حافظت على أصالتها في كل من مدرستي تلمسان والجزائر ، أما مدرسة قسنطينة وبحكم تموقعها بالشرق فإنها كانت مهيأة لتلقي المؤثرات الفنية المحلية منها و الأجنبية( 3 )
اشتق المالوف من الفعل ألف، و يقال أن سبب التسمية يرجع إلى أن التواشيح الخاصة بالنوبة لا تتغير فيها نغمتها تغيرا أساسيا ولهذا أطلق عليها إسم المالوف( 4 )
بينما يعتقد أهل الموسيقى أنه لما هاجر التراث الموسيقي و الغنائي الأندلس نحو تونس و الجزائر استحسنه الحضر فصاروا يتناولونه وتداولونه حتى ألفوه فنعتوه بالمالوف
 يتكون فن "المالوف" من قسم دنيوي ، وآخر ديني متصل بالمدائح الدينية الصوفية ، فالطابع العيساوي ظهر لأول مرة في الزاوية الحنصالية عندما خشي شيوخ هذه الزاوية علي ضياع قصائدهم وأشعارهم فقاموا بتلحينها وغنائها على طبوع المالوف ، وقد كان أول من قام بذلك هو السي أحمد بسطانجي حيث ركّب صنائع المالوف من نوبة وغيرها على كلام وقصائد حنصالة (الطريقة الحنصالية) ، وقد كان أهل المالوف يأتون إلي الزاوية الحنصالية ليأخذوا (الصنايع) أي العديد من الألحان التي فقدوها مع مرور الزمن ، ولهذا نجد بعضا من أشهر مغني المالوف القسنطيني ينتمون للطريقة الحنصلية كالشيخ حسونة علي خوجة والشيخ معمر براشي و غيرهم
كما اشتهر بالمدرسة الموسيقية الأندلسية القسنطينة كل من  محمد الطاهر الفرقاني وعبد المؤمن بن طوبال وغيرهم أما من الطائفة اليهودية فنجد الشيخ ريمون وانريكو مسياس
واشتهر المالوف في الحفلات الفنية و الأفراح فرصدت لكم مثال مما يغنى بالجزائر في نوبة الديل:
قم ترى دراهم اللوز *** تندفق من كل جهة
والنسيم سقطها في الحوز ***والندى كبب عليها
ذهبت تلقح ورقة الجوز ***جا بشير الخير اليها
الرياض يعجبني الوان ***مااحسنه فصل الخلاعه
يانديم هيا للبستان***نغم في الدنيا ساعة
يشكل هذا التراث رصيدا حضاريا يتعين علينا قراءته وجمعه وجعله في خدمة التربية الفنية ، لأن الموسيقى الأندلسية تحتل مكانة خاصة في قلوب الجزائرين و  المغاربة بشكل عام.

المصادر:
1 -  صميم الشريف. مجلة الحياة المؤسسية. العدد 63 ، الهييئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2012 ،ص 380
2 الشيخ عبد المؤمن  بن طوبال النغمات الأندلسية ثراث وموسيقى . الديوان الوطني لحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة ، 2000 ،ص 02
 3- زغيب سميرة المالوف  من الأندلس إلى قسنطينة النشأة والخصوصيات . ط 1، دار مداد يونيفار ستي، الجزائر، 2009 ، ص70 1
4 -  سليم الحلو  الموشحات الأندلسية . ط 1، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1995 ، ص112

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر