عبيد الله المهدي الجزء الثاني

إن المتتبع لتاريخ الدولة العبيدية يرى أنها كغيرها من الدول التي قامت قبلها متمسكة بمباهج الحياة ورغدها فخلفاءها تباهوا في مجال الحضارة و العمران فشيدوا لأنفسهم القصور الفاخرة  و الفنادق الرفيعة  و الحمامات وما إلى ذلك  وبسطوا هالة من القداسة على أنفسهم وأنفقوا بسخاء على بناء حاضرة لهم  كما أنهم عمدوا إلى طمس كل ما كان يرمز إلى حضارة من سبقوهم في هذا الميدان
من أشهر القصور التي أنشاها الخلفاء العبيدين وتفننوا في تشييدها نذكر قصر المنارة الذي بناه الخليفة عبيد الله المهدي له ولولي عهده القائم بأمر الله بالمهدية في مقابل البحر جاء في نزهة المشتاق للإدريسي وصف للقصر     " قصره الحسن البناء العجب الإتقان و الارتقاء"
أقبل عبيد الله على الاستمتاع بملذات الحياة فكان أول من اتخذ سريرا للجلوس وحرص على التفنن في صنعه( 1)
وأحاط نفسه بالحرس و الخدام وحوله رجال دولته على مراتبهم من دعاة و قضاة و قواد وعلماء وعن يمينه وشماله يقف رجلان من عبيده وبيدهما مذبتان وهما يذبان على رأسه
وكان إذا استوى في مجلسه أو كان في خلوته جعل حاجبا على أبواب مقصورته لمنع دخول أي كان إلا بأمر منه( 2)
كما حرص على تواجد الشعراء و الأدباء في بلاطه لمدحه وتعظيمه فأغدق عليهم بسخاء مما جعل هؤلاء يكثرون من التردد عليه أملا في الحصول على الأرزاق و الهدايا إلا انه لم يهتم بالعلم و العلماء كثيرا ماعدا تلك المعاهد التي أنشاها لتدريس خصائص الدولة الإسماعيلية وأطلق عليها اسم مدارس الدعوة على أن تكون هذه المدارس واسطة الاتصال بينه وبين أتباعه  وبذلك يظهر أمام رعاياه بأنه علويا خالصا في حين يبطن المذهب الإسماعيلي ومبادئه
أولى  عبيد الله اهتماما كبيرا بمائدة طعامه  وقد كان  حريصا على أن يكون حوت البورى حاضرا على مائدة طعامه ولذلك كان يأمر أعوانه بإحضار هدا النوع من السمك الجيد من مدينة باجة  التونسية وفي ذلك أورد البكري " وبها باجة حوت بوري ليس له في الأفاق نظير كان يحمل إلى عبيد الله حوتها في العسل فيحفظه حتى يصل طريا " (3)
كما  كان الخليفة عبيد الله مولعا بأكل تمر اللياري ذو النوعية الجيدة  كان  يأمر عماله بجلبه من مدينة  بسكرة الجزائرية  ويمنع  بيع هذا النوع من التمور وأن يترك له
اعتنى عبيد الله  باللباس و البذخ فيه واختص بلبس الثياب المطرزة بالذهب وهو أول من اتخذ مثل هذا النوع من الثياب عند وصوله إلى رقادة ( 4 )" و كان لباس المهدي مبطنة وقميصا تحتها" (5 )
كان الخليفة عبيد الله يأمر العامة بالتجمل و إتخاذ الحلي وقد أعاب عليه  عبيد الله الشيعي داعيته  هدا التصرف وأعتبر هذه الخطوة فساد لهم وخروجا عن عاداتهم أي أهل المغرب العربي( 6)
اهتم عبيد الله المهدي بإقامة الحفلات في مناسبات عدة وقد استوقفني جانب متعلق ببعض الطقوس و العادات التي كانت تمارس في قصور العبيدين  ليلة الزفاف ظلت لوقت ليس ببعيد في مجتمعنا الجزائري وخاصة بأرياف الشرق مما يدل على أنها عادة من عادات الدولة الفاطمية أو العبيدية من خلال ما ورد في بعض المصادر في وصف زواج عبيد الله المهدي من إبنة عمه حيث جاء على لسان الحاجب جعفر قوله " فاذكر أن المهدي تقدم إلي بأن لا ابرح في ليلة زفافها عليه من باب المجلس قال فلزمت النساء حولي إلى أن فتح المهدي الباب ورمى إلي بالنسبية قال فنشرتها على رأسي ورقصت بها و النساء حولي يلعبن ويكبرن "( 7 )
 لعبت المرأة  العبيدية في شؤون الحكم و السياسة  دورا هاما وكان رأيها مسموعا فقد اعترضت أم القائم ولد الخليفة عبيد الله المهدي على هذا الأخير حينما أراد تعذيب الفقيه المالكي سعدون بن احمد الخولاني بقولها " تأتي إلى رجل صالح ولي من أولياء الله سبحانه وتعالى تفعل به هذا أما تخشى أن يدعو على ولدك فيهلك" فأمر بترك سبيله وأزال القيود من رجليه( 8 )
هذه إحاطة معتبرة عن جانب مهم من حياة عبيد الله المهدي تدل نوعا ما على حياة النعيم التي كان يحياها لكن هذا لا يدل على دور حضاري كبير  قام به ماعدا القليل يذكر كبناءه لمدينة المهدية ومنشاءتها وهذا راجع لكثرة الثورات الداخلية مما جعله يعتمد كثيرا على الجانب العسكري هو ومن جاء من بعده من الخلفاء العبيدين.
1- اليماني سيرة الحاجب جعفر 
2- الداعي إدريس تاريخ الخلفاء الفاطمين بالمغرب من عيون الأخبار ج 5 
3 -البكري  المغرب في ذكر بلاد افريقية و المغرب من كتاب المسالك والمالك 
 4  -اليماني سيرة الحاجب جعفر
5- الجوذري سيرة الاستاذ جوذر 
 6-  القاضي النعمان الافتتاح
7- اليماني سيرة الحاجب جعفر 
8- المالكي رياض النفوس ج 2 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

الألعاب الشعبية في الجزائر

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م