عبيد الله المهدي الجزء الأول

أسس عبيد الله المهدي بالمغرب العربي في القرن العاشر ميلادي دولة تعرف بالدولة العبيدية نسبة إلى عبيد الله نفسه بعد أن نجح احد دعاته ابو عبد الله الشيعي بتمهيد الحكم له ، مستغلا الأوضاع الاجتماعية السيئة التي كانت قائمة بإقليم افريقية وجزء كبير من المغرب الأوسط ، فعمل على تأليب قلوب العامة  للثورة على حكم الاغالبة ، و سرعان ما ابتدأ يمني الناس بظهور المهدي الذي سيملأ الأرض عدلا فتطلعت الأنفس شوقا لانتظار المهدي ، إلا أن أمالهم خابت في عدل الخليفة عبيد الله المهدي بمجرد وصوله للحكم نظرا للسياسة التعسفية التي انتهجها اتجاههم
باشر المهدي سلطاته في بداية حكمه بمدينة رقادة التونسية سنة 910م ،  ولقب نفسه بأمير المؤمنين ،  ووضع تعاليم لدولته قائمة على المذهب الإسماعيلي أهمها:
تفضيل علي بن أبي طالب على سائر الصحابة و أنه أحق بالأمانة بعد رسول الله
المناداة بترك القياس و التمسك بالقرآن والحق في تفسيره على طريقتهم
اعتبار صلاة التراويح في رمضان بدعة وقام بمنعها وأمر بصيام يومين قبل رمضان، وقنت في صلاة الجمعة قبل الركوع ، وجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة ، واسقط من أذان الصبح " الصلاة خير من النوم " وزاد حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر( 1  )
إضافة صيغة يقولها المؤذن " أحياك الله يا مولانا حافظ نظام الدنيا و الدين وجامع شمل الإسلام و المسلمين وأعز بسلطانك جانب الموحدين وأباد بسيوفك كافة الملحدين وصلى الله عليك وعلى أبائك الطاهرين وأبنائك الأكرمين صلاة دائمة إلى يوم الدين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين  "( 2 )
واجه معارضيه بعنف خاصة زعماء المذهب المالكي لدرجة انه أسس إدارة أشبه بأجهزة المخابرات حاليا وهذه الإدارة تسمى ديوان  الكشف للتحري عن المخالفين لمذهب الدولة من الفقهاء و المفتين و القضاة و المؤذنين
وجاهر بسب أصحاب النبي وأزواجه الطاهرين وحكم بكفرهم وارتدادهم عن الإسلام (3 )
ونصب حسينا السباب لعنه الله تعالى في الأسواق للسب بأسجاع لقنها يتوصل منها إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم كقوله " العنوا الغار وما وعى و الكساء و ما حوى " وغير ذلك ، وعلقت رؤوس الاكباش و الحمير على الحوانيت عليها قراطيس معلقة فيها أسماء الصحابة رضي الله عنهم( 4 )
وفعل أكثر من ذلك فقد اصبغ على نفسه صفات الجلالة و التقديس، وقد اظهر البعض الغلو في شخصه كالشاعر محمد البديل  الذي مدحه إلى درجة الكفر في مطلع قصيدة تقول أبياتها:
حل برقادة المسيح   حل بها ادم ونوح
حل بها احمد المصطفى   حل بها الكبش و الذبيح
حل بها الله ذو المعالي    وكل شيئ سواه ريح (5)
كما بالغ الدعاة في تعظيم وإجلال شخص الخليفة إن كانوا إذ دخلوا عليه قبلوا الأرض بين يديه ومرغوا خدودهم عليها رافعين اكفهم بالدعاء و الحمد عليه أن أكرمهم الله برؤية وجهه (6 )
كما عمل على إزالة أثار بعض من الخلفاء السنين الذين سبقوه  فمحى أسماء الحكام الذين بنو الحصون و المساجد و القصور  وجعل عبيد الله اسمه بديلا منهم واستولى على أموال الاحباس وسلاح الحصون
ويحكى أن خيل عبيد الله دخلت المسجد فقيل لأصحابها كيف تدخلون المسجد فقالوا : " أن ارواثها وابوالها طاهرة لأنها خيل المهدي" فأنكر عليهم قيم المسجد  هذا التصرف فذهبوا به إلى المهدي فقتله
نظرا لهذه الأعمال التي قام بها  الخليفة عبيد الله المهدي  و التعاليم التي وضعها ، و التي لم تلقى التأييد  من السكان السنيين جعلتهم يقومون بثورات عدة وخاصة لما أيقنوا أن شكوكهم حول مهداويته باتت في محلها فانتفضوا ضد حكمه ، وأدرك عبيد الله أن الاستمرار في نشر المذهب الاسماعيلي في مثل هده الظروف لا محالة سيؤدي إلى الفشل ومن هنا أمر دعاته بالكف عن طلب التشيع بينهم( 7)
وبعد فترة حكم ناهزت ربع قرن من الزمن توفي المهدي سنة 934م ، ولكن موتته لم تكن عادية  يقول ابن عذارى في ذلك " وامتحن عبيد الله في آخر حياته بعلة قبيحة دود في آخر مخرجه يأكل أحشائه فلم يزل به حتى هلك"
حزن القائم بالله اثر وفاة والده المهدي وقد  أورد القاضي النعمان في كتابه افتتاح الدعوة  " وأذن في البكاء عليه وواصل الحزن لفقده و أدامه من بعده أيام حياته لم يرقد سريرا ولا ركب دابة ولا توطا مهادا ولا خرج من باب قصره أسفا عليه وترددا لذكره "  
نظم عثمان بن سئيل الصيقل القيرواني أبياتا من الشعر رثي فيها الخليفة عبيد الله المهدي إذ جاء في مطلعها:
وهت مرر الصبر فانحلت       ورثت عرى الحزم فاجتثت
وكيف العزاء وقد خددت           خدود الخرائد واربدت
 وقد كانت تقاليد الدفن عند العبيدين تقتضي أن يتولى ولي العهد دفن الخليفة دون جميع الناس وان لا يحضر مراسيم دفنه إلا من كان من المقربين وخاصة رجال الخليفة ، فحينما عزم القائم بأمر الله على دفن والده عبيد الله المهدي اختار لشهود مراسيم الدفن جوذرا لمكانه من الخليفة ومن نفسه فقال " له يا جوذر انه لا يحل للحجة بعد الإمام أن يدفن حتى يقيم حجة لنفسه ولم يحل لي ذلك حتى اقيم حجتي" (8 )
1-القاضي ابو عبد الله بن حماد في كتابه أخبار ملوك
2 -ابن حماد أخبار ملوك بني عبيد  
3  -ابن عدارى البيان ج 1 
4-القاضي عياض المدارك ج 3 
5- الافتتاح القاضي النعمان
6- القاضي النعمان المجالس و المسايرات 
7 -ابن الاثير الكامل في التاريخ 
8-  الجوذري سيرة الأستاذ جوذر 
ملاحظة تم نشر هذا المقال على منصة اكتب بتاريخ  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مصطلح عيشة راجل

انتفاضة قسنطينة سنة 1934م

الألعاب الشعبية في الجزائر